كاتدرائية نوتردام في مدينة ستراسبورغ فرنسا

كاتدرائية ستراسبورغ بفرنسا هي واحدة من أكبر الكنائس في العالم وأقدمها، حيث تم استخدام الفن الرومانسيكي القديم والهندسة القُوطية لإنشائها.

كانت الكنيسة رمزًا للديانة المسيحية في العصور الرومانية القديمة والعصور الوسطى.

تقع الكاتدرائية في شمال فرنسا، تحديدًا ضمن منطقة ألازاس التاريخية، وتحتل المرتبة السادسة لأطول المباني الدينية في العالم، حيث يبلغ ارتفاع برجها 142 متر.

تحتوي الكنيسة من الداخل على العديد من مقدسات الدين المسيحي والتماثيل والصور، ويوجد على الجدران بعض المنقوشات والمنحوتات الخاصة بالدين.

تاريخ بناؤها

كان الدين المسيحي هو الديانة الرسمية للبلاد، ونتيجة لذلك تم اتخاذ قرار ببناء كاتدرائية لممارسة الطقوس والشعائر الدينية بها، ولتكون رمزًا للديانة الجديدة.

في بداية القرن الخامس تم بناء العديد من الكنائس ولكنها تدمرت بفعل الحروب والحرائق التي كانت منتشرة في ذلك الوقت.

تم تحديد موقع بناء الكنيسة بمدينة ستراسبورغ الفرنسية حيث كانت واحدة من أهم المدن، لما بها من مناطق عسكرية مهمة، وبسبب موقعها الجغرافي.

كان هناك معبد روماني قديم، والذي كان تابعًا للديانة الوثنية ولكن تم هدمه وبناء الكنيسة، وأُطلق عليها اسم الكنيسة الكارولينجية عام 550 م.

بعد ذلك مرت الكنيسة بمراحل هدم وبناء وتطوير عديدة حتى وصلت إلى شكلها الحالي.

الكنيسة في العصر الرومانسيكي

تمت المحافظة على شكل الكنيسة الأصلي منذ بنائها حتى عام 1002، حيث تدمرت الكنيسة في هذا العام بسبب الحروب بين خلفاء الإمبراطور لأخذ منصب الحاكم عقب وفاته.

وفي عام 1015، تم وضع حجر الأساس لإعادة تشيدها مرة أخرى، لذلك يُعد هذا العام هو العام الفعلي لبداية بناء الكنيسة.

تم بناء معظم هيكل الكاتدرائية من الخشب، طبقًا للطراز الرومانسيكي، وكان هذا هو الطراز السائد في بناء الكنائس في ذلك الوقت.

بعد فترة من الزمن، تدمرت الكنيسة بفعل الحروب مرة أخرى، ولكن سرعان ما تم ترميمها وإعادتها لسابق عهدها، للمحافظة على رونقها وطرازها الخاص.

الكنيسة في العصر الروماني

كانت الكنيسة من العلامات المميزة لمدينة ستراسبورغ، ونتيجة لذلك قرر الإمبراطور الروماني توسيع الكنيسة في القرن الثاني عشر.

قام المهندسون والمعماريون بإعادة تصميم الكنيسة على مساحة أوسع وارتفاع أعلى، إضافة إلى تدعيم الهيكل الخارجي والداخلي للكنيسة.

استخدم المهندسون الطراز القوطي في عملية التأسيس الجديد، فدخل هذا الطراز في البناء وزخرفة الجدران وإضافة بعض النقوش الدالة على العصر الروماني.

حافظ البناة أيضًا على الطراز الرومانسيكي القديم للكنيسة وذلك ليكون شاهدًا على ما مرت به من عصور مختلفة.

تطوير واجهة الكنيسة

وضع المهندسون خطة جديدة لتطوير الوجهة الأمامية للكنيسة، وبناءً على ذلك تم التخطيط لبناء برجين كلًا منهم على ارتفاع 122م.

وحسب التخطيط الهندسي سيربط بين البرجين نافذة زجاجية كبيرة لها شكل زهرة.

تم تزويد البرجين بالنوافذ ذات الزجاج الملون لتسمح بدخول الضوء إلى صحن الكنيسة بألوان زاهية ومختلفة.

بعد بناء الوجهة بالكامل، قام المهندسون بناء برج صغير على مركز الوجهة مع إضافة جرس عليه ليقرع في أوقات معينة كان قد حددها المسؤولون عن ذلك.

أزمات مرت بها الكنيسة

بنهاية العصور الوسطى وتحديدًا في القرن الخامس عشر، فقدت الكنيسة جزء كبير منها، وذلك نتيجةً للحرب بين ألمانيا وفرنسا.

تم إعادة بناء الأجزاء الناقصة من الكنيسة نتيجة الحرب وإقامة الشعائر الدينية فيها مرة أخرى وظلت هكذا حتى نهاية القرن الثامن عشر.

وفي القرن التاسع عشر، قامت الثورة الفرنسية، ونتيجة لذلك تم الاستيلاء على الكنيسة وسرقة محتوياتها الثمينة وتخريبها وتحطيم بعض التماثيل المقدسة بداخلها.

وبسبب الحرب العالمية الأولى، والتي اندلعت بعد الثورة الفرنسية قد تعرضت الكنيسة للهدم، ولذلك قرر المهندسون إضافة قاعدة خرسانية لأول مرة لتدعيمها.

أثناء الحرب العالمية الثانية تعرضت أيضًا للضرر ولكن تم تعويض هذا الضرر وتجديد الكنيسة مع زيادة تأمينها.

ظلت أعمال البناء والتجديد قائمة على الكنيسة حتى عام 1988، وأصبحت على شكلها الحالي.

مميزات كاتدرائية ستراسبورغ

تتميز الكنيسة بطرازها الفريد الممزوج من الطراز الرومانسيكي القديم والطراز القوطي الروماني، حيث يوجد بها علامات مميزة لكل طراز.

تظهر هذه العلامات في طريقة بناء وزخرفة الحوائط وبعض الآثار بداخلها، فقد تم استخدام حجر الرمل الوردي لبناء الكنيسة بأمر من الإمبراطور الروماني.

وفي العصور الوسطى تم إعلان الكنيسة رمزًا للدين المسيحي باعتبارها أكبر كنائس ذلك العصر، وتم نشر هذا الخبر في جميع أنحاء أوروبا وليس فقط فرنسا.

وأكثر ما يُميز الكنيسة هو برجها، حيث تم بناء هذا البرج عام 1399 في الجهة الشمالية للكنيسة على طراز روماني خاص وعلى ارتفاع 142م.

كانت الكنيسة هي أطول بناء ديني في العالم حتى نهاية القرن التاسع عشر بسبب ارتفاع البرج الشمالي.

كان من المقرر أن يتم بناء برج آخر مناظر له في جهة الجنوب ولكن تم وقف بناء هذا البرج، وذلك أعطى للكنيسة شكلها المتميز عن باقي الكنائس، حيث كان السائد هو وجود برجين لكل كنيسة.

عام 1988، أعلنت منظمة اليونسكو أن الكاتدرائية أصبحت واحدة من آثار التراث العالمي، مما زاد من شعبية ستراسبورغ.

بعض محتويات كنيسة ستراسبورغ من الداخل

يوجد العديد من الأشياء الثمينة والتاريخية الرائعة داخل الكنيسة ومنها

• صحن الكنيسة
• الساعة الفلكية
• عمود القيامة
• النوافذ الأوروبية الملونة
• نافذة الزهرة المميزة
• الأجراس

صحن الكنيسة

صحن الكنيسة، هو مكان حيث يجلس به الناس للعبادة والصلاة ويؤدون شعائرهم الدينية.

تم بناء الصحن مع بناء الكنيسة في العصر الروماني، لذلك يغلُب الطراز القُوطي على الصحن من الداخل، إضافة إلى ببعض المنحوتات الرومانية الشهيرة.

يتميز الصحن باتساعه الهائل وضخامته، فقد وصل طوله إلى 63 متر، واتساعه إلى 32م، وارتفاعه إلى 32م.

يحتوي الصحن من الداخل إلى ثلاثة ممرات رئيسية مدعمة بعواميد ضخمة، ومن مميزات صحن الكاتدرائية أنه كان قاعة للاحتفال بزواج الملك الفرنسي لويس الخامس عشر.

الساعة الفلكية

في الجزء الجنوبي الأيمن من الكنيسة، تم بناء ساعة فلكية كبيرة للاستدلال منها على الوقت، وكان ذلك عام 1547م.

تم تصميم الساعة على يد أشهر وأمهر صانعي الساعات وعلماء الرياضيات بالإضافة إلى بعض الفنانين والرسامين، وكان بناؤها على طراز عهد النهضة.

اشتُهرت الساعة بتصميمها الفريد، فقد تم تزويدها ببعض الزخارف والشخصيات المتحركة.

وفي عام 1788 توقفت الساعة عن العمل بسبب خلل ما بها، وظلت هكذا متوقفة حتى عام 1838م عندما بدأ العلماء إصلاحها مرة أخرى.

تحركت الساعة من جديد عام 1842م على يد العالم جان شويليجيه، وكان جان قد كرَّس حياته لدراسة علم الساعات وحل نظريات معقدة جدًا، ونتيجة لمجهوداته تمت إعادة ضبط الساعة بدقة.

عمود القيامة

يوجد بالجناح الجنوبي للكنيسة عمود ضخم يعمل كداعم كبير للكنيسة، يُطلق على هذا العمود اسم عمود القيامة أو عمود الملائكة.

توجد أربع منقوشات على هذا العمود، وهي السبب في تسميته بهذا الاسم

• قاضي يجلس في مجلسه.
• ملائكة حاملة لآلات التعذيب محيطة بالقاضي.
• ملائكة العزف على البوق.
• الإنجيليين الأربعة.

ويوجد بالقرب من العامود تمثال لمهندس كان يرفض بناء هذا العمود ظنًا منه أنَّه سيكون سببًا في هدم الكنيسة.

لكن بعد ذلك ثبت خطأ المهندس وأصبح العامود لاحقًا من أهم مراكز التدعيم.

النوافذ الأوروبية الملونة

يوجد داخل الكاتدرائية العديد من النوافذ، والتي تحتوي على أكثر من 4600 قطعة زجاجية ملونة.

يعود تاريخ هذه القطع الزجاجية إلى القرون الثلاثة، الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر.

تم بناء هذه النوافذ لتحكي قصص الكنيسة وتاريخها وما مر عليها من حُكّام ورجال الدِين، وبسبب ذلك يختلف زجاج نوافذ كل جهة عن الأخرى.

فنوافذ الجهة الشمالية تخبرنا عن تاريخ القرن الثالث عشر والإمبراطورية الرومانية وبعض ملوكها.

أمّا نوافذ الجهة الجنوبية فهي تُشير إلى السيدة العذراء والمسيح وأسلاف المسيح، وتحكي بعض المعلومات عن العهد الجديد للكنيسة.

أمّا النافذة الموجودة بالمذبح فمرسوم عليها العذراء بالأزرق والمسيح بالأحمر، ويوجد أيضًا 12 نجمة ذهبية مرسومة على خلفية زرقاء، وهذا هو علم الإتحاد الأوروبي.

نافذة الزهرة المميزة

توجد نافذة على شكل زهرة في الوجهة الرئيسية للكنيسة بين برجي الوجهة الأماميين، ويُعد مركز الزهرة هو مركز الوجهة.

وقع الاختيار على شكل الزهرة الدائرية لتكون رمزًا للشمس والقمر والأرض، تم تصميم هذه الزهرة على النظام القوطي كما هو الحال مع باقي الكنيسة.

يبلغ طول قطر الزهرة تقريبًا 15م، وتم تصميم شكل نهاية البتلة على شكل سنبلة القمح وذلك لتكون رمزًا على ازدهار التجارة في فرنسا.

كان يوجد أعلى الزهرة بعض التماثيل المختلفة المميزة ولكن تعرضت للهدم بعضها والسرقة في أوقات الحروب والأزمات.

الأجراس

كان يوجد الكثير من الأجراس في الكنيسة ولكن تمت سرقتها نتيجة الحروب والثورات.

يوجد الآن أربع أجراس فوق البرج الشمالي للكنيسة، وهي من أشهر أجراس فرنسا والتي يُمكِنُك سماعها من على مسافات بعيدة بسبب ارتفاعها.

هناك أيضًا أربع أجراس صغيرة، والتي كانت تدُق للسكان المحليين مع إذاعة الأخبار الهامة في المدينة.

بالإضافة إلى الجرس الكبير أو الجرس العظيم، وهو موجود أعلى نافذة الزهرة، حيث يتم قرع هذا الجرس تزامنًا مع الساعة الكبيرة في ستراسبورغ.

معالم سياحية بالقرب من كنيسة ستراسبورغ

يوجد العديد من المزارات السياحية بالقرب من الكنيسة مثل:

• قصر روهان.
• جزيرة جراند إيل.
• منزل كاميرزل.

قصر روهان

تم بناء القصر في القرن الثامن عشر، والذي كان مسكن للوزراء ومساعدين الإمبراطور الحاكم.

يتكون القصر من ثلاث طوابق، ويُعد كل طابق بمثابة متحف مختلف وخاص.

• فالطابق الأول يضم بعض الآثار التاريخية، والتي تعود لما قبل العصور الوسطى
• والطابق الثاني يحتوي على متحف للزخارف والسيراميك وبعض المنحوتات الخزفية
• والطابق الثالث به متحف للوحات المرسومة على يد أشهر فنانين فرنسا وألمانيا وإسبانيا وهولندا

جزيرة جراند إيل

هي جزيرة تقع بالقرب من نهر إيل، وهي مشهورة بالمطاعم والمقاهي المختلفة والمزدحمة.

تم الإعلان عن الجزيرة أنَّها من ضمن مواقع التراث العالمي في ستراسبورغ من قِبَل منظمة اليونسكو، ولذلك هي مصدر جذب دائم للسيَّاح.

منزل كاميرزل

هو أحد قصور العصور الوسطى ويتكون من أربع طوابق، وتمت المحافظة عليه وعلى شكله الأول حتى يومنا هذا.

كان بناء الطابق الأول في القرن الخامس عشر، بينما كان بناء الطوابق الثلاث الأخرى في القرن السادس عشر.

نوافذ هذا المنزل ملونة ومرسوم عليها نقوش لبعض المخلوقات الاسطورية وبعض الشخصيات التاريخية الهامة.

تم تزيين جميع طوابق المنزل في الوقت الحالي، واستخدامه كفندق تاريخي للزُوار.