صهريج المنارة تحفة مغربية من قديم الزمانِ

صهريج المنارة تحفة مغربية من قديم الزمانِ

مع تغير فصول العام، وتقلب أحوال الطقس، تزداد تطلعاتنا نحو قضاء العطلات في أماكن ربما لا نكون قد اكتشفناها بعد.

تؤثر بلا شك هذه العطلات على حالتنا المزاجية، إما بالسلب أو الإيجاب، وهو ما يتوقف على مدى استمتاعنا فيها، وبظروف الطقس بها.

ولعل من أجمل المناظر التي نعشق مطالعتها، مشهد شلالات المياه وهي تنساب بين الصخور، منحدرة من أعلى قمم الجبال، حتى تصل إلى الأسفل، فتملئ المكان بالخضرة التي تزيدها سحرًا، يُمتع الأنظار.

وإذا كنت من محبي السفر، وتريد أن تستمتع بأجواء صيفية ممتعة، نرشح لك المغرب وتحديدًا مراكش، حيث “صهريج المنارة” هناك، والذي يعد تحفة مغربية ذات قيمة أثرية كبيرة.

خلال السطور القادمة، نصحبكم معنا في جولة تاريخية، نتعرف فيها على هذا المعلم الأثري، الذي لعب دورًا هامًا في حياة المغاربة، ولا زال تأثيره ممتدًا حتى اليوم.

إنشاء الصهريج

ارتبطت ظروف إنشاء صهريج المنارة ببداية حكم دولة الموحدين، في القرن الـ 12، والتي حكمت المغرب في الفترة من عام 1125 حتى عام 1269.

وقد أُسند تشييده إلى مهندس يدعي “يعيش المالكي” عام 1157، بأوامر من السلطان عبد المؤمن بن علي الكومي.

أسباب إنشائه

  • التخفيف من تقلبات المناخ القاسية، وما ينجم عنها من زيادة حدة الجفاف.
  • توفير المياه لسكان المدينة.
  • تدريب جنود الجيش فيه على السباحة وفنون القتال.
  • حماية السواحل الغربية من أي تهديدات خارجية.

وبوجود هذا الصهريج ازادت الرقعة الخضراء في المكان، حيث كثرت زراعة الأشجار وبصفة خاصة الزيتون والفاكهة.

ومع مرور الوقت، انتشرت الحدائق والبساتين، التي تنافس في إنشائها الخلفاء الموحدون على مدار فترات حكمهم.

ولكثرة انتشارها، كان يطلق على هذه البساتين في الماضي اسم “البحائر”.

ومما يقال إن هذه الأشجار كان يتم زراعتها في شبكة منتظمة بطول 10 أمتار.

مياه الصهريج

نظرًا للطبيعة الجغرافية التي يتميز بها المكان، كانت المياه تملأ هذا الصهريج الضخم من خلال المجاري الجوفية، أو “الخطارات” كما اصطلح على تسميتها.

ومما كان يحدث في السابق أن المياه كانت تنبثق من الأودية المترامية من جبل درن، وتحديدًا منطقة “أوريكا” الجبلية، في خطوط متعرجة، لتصب داخل الصهريج.

تصميم ووصف الصهريج

تميز صهريج المنارة بحجمه الضخم، الذي اتسع لمليارات الأمتار المكعبة من المياه، على مدار سنوات طويلة.

  •  أبعاده: يبلغ عرضه 150 متر وطوله 200 متر.
  •  عمقه: يتراوح بين مترين وثلاثة أمتار.

يذكر أنه في عام 1991، أنشأت إحدى العائلات حديقة حيوان صغيرة، تتوسط الحدائق المترامية بجوار الصهريج، وضعت فيها أنواع مختلفة من الحيوانات البرية والطيور، من بينها النعام.

حدائق المنارة

مع وجود الصهريج، انتشرت الحدائق التي عرفت فيما بعد بـ “حدائق المنارة”، والتي أدرجتها اليونسكو كموقع للتراث العالمي عام 1985.

تقع الحدائق في منطقة مسطحة، وتحديدًا في الجهة الغربية من مدينة مراكش، وبالقرب من مطار المنارة.

وقد اعتبرها البعض حدائق ملكية مغربية من طراز كلاسيكي رفيع، تشبه في تصميمها شكل هندسة حدائق الأندلس إلى حد كبير.

وهذه الحدائق يحيطها حوض مياه مركزي وخزان مستطيل الشكل، يغطيان مساحة 1200 متر.

بالإضافة إلى وجود سرادق أو جناح ملكي مثلما وصفته بعض المصادر التاريخية، يعود تاريخه إلى القرن 19.

وقد أرجع كثيرون أن إنشاء هذه الحدائق كان الغرض منه انتاجيًا في المقام الأول قبل أن يكون ترفيهيًا.

ففي هذه الحدائق تم زراعة أنواع مختلفة من المحاصيل والنباتات، التي كانت تدر عائدًا ماديًا لا بأس به على الدولة.

وحدائق المنارة تحدها مئذنة الكتيبة من جهة الشمال الشرقي، وجبال الأطلس الكبير في الجنوب.

وكلمة “المنارة” في اللغة العربية، لها عدة معاني نذكر منها على سبيل المثال: المئذنة، أو الفنار، أو المرُشد.

ومما ذكرته كتب التاريخ واستدل عليه بعض العلماء أنه كان يوجد خزانين للمياه بين هذه الحدائق من الجهة الغربية للمدينة.

أحدهما لازال قائمًا حتى اليوم، لكنه لا يعمل، والآخر اندثر ولم يعد له وجود، يرجح أنه كان “صهريج البقار أو البقر”، والذي لا تتوافر معلومات مؤكدة عنه.

تطوير المكان

مع تعاقب الخلفاء والسلاطين في الحكم، تعرض صهريج المنارة وما يحيطه من حدائق إلى فترات إهمال، بلغت ذروتها في أوقات الحروب.

وقد لعب السلطان العلوي محمد بن عبد الرحمن، الذي لقب بـ ” محمد الرابع”، دورًا عظيمًا في إعادة الحياة للمكان بعد تدهوره،
فقد أمر بترميم الصهريج وتنظيفه، وإعادة زراعة الأشجار من حوله.

كما قام بإنشاء مركز للمراقبة وحظيرة للخيول، تساعد في تحسين النسل وزيادة عددها.

وفي عام 1870، أمر بتشييد مقصورة داخل هذه الحدائق بعد أن أحاطها بسور، والتي عرفت باسم “المنارة”، لتكون مقر إقامة مؤقت له بين محظياته من الجواري.

تتكون هذه المقصورة من طابق أرضي، تم تخصيصه لإقامة الخدم، وآخر علوي، خُصص لنساء السلطان، كانت شرفته الكبيرة تطل على الصهريج مباشرة.

وقد ذهب مؤرخون إلى أن عهد السعديين في زمن حكم السلطان السعدي زيدان كان من أوائل الفترات التي شهدت عناية كبيرة بحدائق المنارة على وجه الخصوص، وذلك في القرن 17.

إذ يعود إليهم الفضل في فكرة بناء الجناح الملكي، أو كما عرف باسم “جناح المتعة”.

وقد تبلور ذلك فيما بعد في عهد العلويين، ليظهر في شكله المعروف بـ “المقصورة”، والتي كانت بمثابة استراحة للسلطان.

أنشطة يمكن القيام بها

تتعدد الأنشطة التي تستطيع القيام بها عند قضائك نزهة سياحية بين حدائق المنارة، والصهريج المقام بجوارها، ومن بين هذه الأنشطة:

  • التقاط الصور الفوتوغرافية للمكان، حتى تبقى عالقة في الذاكرة، تستمتع باسترجاعها بين الحين والآخر.
  • ركوب الجمال، والاستمتاع بجولة حول هذه الحدائق، ويفضل أن يكون ذلك في الأوقات الصباحية.
  • تناول الطعام مع من يشاركونك الرحلة في الهواء النقي وأمام المناظر الطبيعية، ذلك وحده كفيل أن يعدل من حالتك المزاجية.

أشهر الفنادق القريبة من المنارة

تقع بالقرب من حدائق المنارة وصهريجها الأثري، العديد من الفنادق المعروفة، التي اكتسبت شهرة واسعة، نظرًا لما تقدمه من خدمات متميزة لزوارها، على مدار اليوم، ومنها:

  • فندق ميريديان نفيس.
  • فندف سافوي لو جراند.
  • منتجع فور سيزونز مراكش.

الخلاصة

يعتبر صهريج المنارة في مراكش، واحدًا من المعالم الأثرية التي تشتهر بها المغرب، وقد لعب دورًا لا يمكن تجاهله على مدار قرون طويلة.

جاءت فكرة إنشائه في عهد السلطان عبد المؤمن بن علي الكومي، الذي عهد بتنفيذه إلى المهندس “يعيش المالكي”.

وقد ساعد بناء الصهريج على تزويد سكان المدينة بما يحتاجونه من مياه للاستخدامات اليومية، وتدريب جنود الجيش على السباحة والألعاب القتالية.

وبإنشائه، زادت مساحة الرقعة الزراعية في المكان، حيث انتشرت الأشجار بجميع أنواعها، حتى أصبحت حدائق كبيرة، عرفت حتى اليوم باسم “حدائق المنارة”.

الاسئلة الأكثر شيوعاً

متى أنشأ صهريج المنارة؟

جرى إنشائه في القرن 12، وتحديدًا في عام 1157، في عهد السلطان عبد المؤمن بن على الكومي.

لماذا أنشئ صهريج المنارة في مراكش؟

كان الغرض من إنشائه في المقام الأول أن يساعد في التخفيف من تقلبات المناخ، وهبوب الرياح الشرقية، وما ينتج عنها من زيادة نسبة الجفاف.

وقد ساهم بناء الصهريج في:

  • تدريب جنود الجيش على السباحة.
  • انتشار الحدائق الخضراء في المكان، بعد زراعة الكثير من أشجار الزيتون والفاكهة.
  • حماية السواحل المغربية من الهجمات الخارجية.
  • تزويد سكان المدينة بالمياه التي يحتاجونها في استخداماتهم.
مقالات ذات صلة
أضف تعليق: