دليلك لزيارة كاتدرائية القلب المقدس في باريس

دليلك لزيارة كاتدرائية القلب المقدس في باريس

تعد “كاتدرائية القلب المقدس” تحفة معمارية تتوج مدينة باريس، وتتميز بارتفاعها الشاهق ولونها الأبيض الصافي وتفاصيلها المعمارية الدقيقة وقبابها الرشيقة.

تلك الكنيسة التي كانت ولا زالت مكانًا لجذب الشعراء والفنانين والرسامين من كل أنحاء العالم.

وتطل الكاتدرائية على عاصمة النور كعروس بيضاء، خلفها السماء الصافية وأسفل منها الأشجار بلونها الأخضر.

ويقف هذا البناء الضخم، على ارتفاع 213 مترًا فوق مستوى سطح البحر في حي مونتمارتر.

وهذا يعني أنك تستطيع رؤية باريس بأكملها عند زيارتك للكنيسة في مشهد خلاب يأسر الأنظار والقلوب.

تعد الكاتدرائية أهم أثر ديني في باريس بعد كنيسة نوتردام، حيث يأتي إليها سنويًا ما يقارب الـ 11 مليون زائر.

وقد استغرق بناء الكنيسة أكثر من أربعين عامًا، حيث تم وضع أول حجر بأساسات الكنيسة عام 1875 ولم يتم الانتهاء من العمل بالكنيسة إلا عام 1914.

موقع كنيسة القلب المقدس في باريس

تقع الكنيسة على تل مونمارتر “Montmartre” شمال باريس، في واحد من أشهر أحيائها وأكثرها ارتفاعًا، حيث يبلغ طول التل 130 متر، مما يجعله يتمتع بإطلالة كاملة على العاصمة الفرنسية.

الكاتدرائية في مونتمارتر

اختيار مكان بناء الكنيسة

كانت المهمة التالية لإعلان بناء الكنيسة هي البحث عن مكان مناسب لها، وقد وقع الاختيار على تل مونتمارتر لعدة أسباب منها:

  • ارتفاع التل وإطلالته على باريس بأكملها، مما يؤكد على وجود الكنيسة وهيمنتها على العاصمة.
  • وجود أرض خالية من المباني ومناسبة للبناء عليه.

مصمم الكنيسة

في عام 1874 تم الإعلان عن مسابقة عامة لاختيار أفضل تصميم مناسب للكاتدرائية، وقد شارك فيها ما يقرب من 78 مهندسًا بتصاميمهم المعمارية.

وقد فاز فيها تصميم مهندس يُدعى “بول آبادي”، ولكنه للأسف لم يستطع رؤية ثمرة تصميمه المعماري حيث أنه توفي عام 1884، وخلفه 6 معماريين آخرين من أجل إتمام عملية بناء البازيليكا.

تمويل الكنيسة

بعد البدء في تأسيس البازيليكا، اتضح للقائمين عليها أن الميزانية المقررة أقل بكثير مما يحتاجه هذا العمل الضخم.

لذلك لم يكن أمام رئيس الأساقفة حلًا سوى جمع التبرعات لتمويل البناء، وقد فتح الباب أيضًا لاستقبال التبرعات في هيئة معدات أو مواد للبناء.

وهذا ما شجع الكثير على تقديم تبرعاتهم مهما بلغ تواضعها، ومن الجدير بالذكر أن بعض أحجار الكنيسة ما زالت تحمل نقوش بأسماء المتبرعين بها حتى الآن.

وبنهاية العمل على الكاتدرائية كان إجمالي تكلفة البناء 4 ملايين فرنك، وكان أكثرها من التبرعات، وقد أكد ذلك على أهميتها كمشروع قومي لكل الفرنسيين.

مراحل إنشاء الكنيسة

  • تم وضع أول حجر في الكنيسة عام 1875.
  • ثم استمر بعدها حفر آبار تحت الأرض لفترة تزيد عن العامين.
  • عام 1878 بدأ العمل في سرداب الكنيسة.
  • بدأ العمل في البازيلكا نفسها عام 1881.
  • انتهى بناء القبة عام 1900.
  • وصل جرس الكنيسة إلى مونتمارتر عام 1907 وتم رفعه في البرج الخاص به.
  • بعد أربعين عامًا من العمل أصبحت الكنيسة جاهزة عام 1914، ولكن لم يكتمل تكريس الكنيسة بسبب قيام الحرب العالمية الأولى.
  • تم افتتاح الكاتدرائية أخيرًا عام 1919 بحضور جميع الأسقفية الفرنسية.

عمارة كنيسة القلب المقدس

لم يكن التصميم الذي قدمه المهندس آبادي للكاتدرائية مشابهًا لعمارة الكنائس السائدة في أوروبا في ذلك الوقت والتي كانت تتبع الطراز القوطي “Gothic Architecture”.

ولكنه بدلًا من ذلك اتجه بأنظاره إلى الشرق حيث توجد كنيسة “آيا صوفيا” في القسطنطينية، وتأثر بطرازها البيزنطي وجمع بينه وبين نظام “البازيليكا” الروماني.

وتستخدم كلمة بيزنطي للإشارة إلى الإمبراطورية الرومانية الشرقية والتي كان مقرها القسطنطينية.

أما الطراز المعماري البيزنطي فهو الطراز المستخدم بها منذ بدايات القرن 4 م، وكان أكثر ما يميزه القباب الضخمة.

أما البازيليكا فهي بناء روماني قديم عبارة عن صحن مستطيل وعلى جانبيه جناحين يفصل بينهما الأعمدة وينتهي هذا الهيكل بحنية نصف دائرية.

تأسيس الكنيسة

هل ستستطيع التلة التي يبلغ ارتفاعها 130 م تحمل مبنى يزيد طوله عن 80 م؟

هذا السؤال دفع المهندس آبادي للتحقق من طبيعة أرض الهضبة، حيث أنها ستحدد ما إذا كانت التلة ستتحمل البناء أو سينتهي مصيره إلى الانهيار.

بعد فحص الأرض اتضح أن الطبقات الداخلية لها عبارة عن تربة طينية، وهذا معناه أنها لن تتحمل مثل هذا البناء الحجري الضخم.

وللتغلب على تلك المشكلة تم حفر آبار تحت الأرض عمقها 33 متر، ووُضع بها أساسات حجرية لتكوين قاعدة صلبة لدعم المبنى.

لا تعتقد أن الأمر كان سهلًا، فقبل أكثر من مائة عام لم توجد كل تلك الوسائل الحديثة للبناء لذلك كان حفر هذه الآبار عملية شاقة للغاية واستمرت لأكثر من عامين.

العمارة الخارجية للكنيسة

يبلغ طول البازيليكا 85 م وعرضها 35 م، أما عن القبة فيصل ارتفاعها إلى 83 م، الجدران مبنية من الحجر الجيري الأبيض، المُستخرج من محاجر لندن، وهو نفس الحجر الذي تم استخدامه في بناء قوس النصر.

من أهم خصائص هذا الحجر الجيري هو لونه الأبيض المميز والذي ظل محتفظًا به إلى الآن، ولكن هل تساءلت كيف احتفظ هذا الحجر بلونه لأكثر من قرن من الزمان؟

يعود ذلك إلى قدرة هذا الحجر الجيري على تنظيف نفسه عند تعرضه لمياه الأمطار.

ويحدث ذلك بفضل طبقة رقيقة تغطي الحجر، عندما تتعرض هذه الطبقة لمياه الأمطار فإنها تفرز مادة الكالسيت التي تتصلب فيما بعد في الشمس وتعطي الحجر لونه الأبيض.

عند زيارتك للكنيسة حاول أن تدقق النظر جيدًا في الجدران الخارجية لها، ستجد أن الأجزاء التي لا تصل إليها مياه الأمطار قد أصبحت سوداء اللون.

القباب

تعد القباب من أهم خصائص العمارة البيزنطية التي تأثر بها آبادي عند وضع تصميم الكنيسة.

وقد حدثت بعض التعديلات في تصميم القبة المركزية الأصلي لتصبح أكثر ارتفاعًا وأقل سمكًا لتجنب الضغط على القباب الجانبية.

تتوج البازيليكا قبة مركزية ضخمة يصل ارتفاعها إلى 83 م. ويحيط بها أربع قباب صغيرة تقع فوق الأجنحة الجانبية الأربعة للكنيسة.

وتتخلل القباب صفوفًا من النوافذ الزجاجية التي يعلوها عقود نصف دائرية، وتعمل تلك النوافذ على إضاءة صحن البازيليكا.

واجهة الكنيسة

تقع واجهة الكاتدرائية في الجانب الجنوبي المواجه لباريس، وتزينها العقود النصف دائرية المحمولة على أعمدة ذات تيجان نباتية.

ذلك بالإضافة إلى النقوش البارزة، وتماثيل.

ويعلو الواجهة تمثال للسيد المسيح يقف رافعًا يده اليمنى ويشير إلى قلبه المقدس بيده اليسرى.

ويتقدم الواجهة درج يوصل إلى شرفة عالية يوجد بها مدخل البازيليكا.

واجهة الكنيسة

الكنيسة من الداخل

للكنيسة ثلاثة أبواب توصل من خلال ثلاثة ممرات إلى داخل الكنيسة.

على يسار المدخل يوجد الدرج الذي يوصل إلى القبة وهو مكون من 300 درجة.

عند دخول الكنيسة تجد نفسك في الصحن الأوسط، ويحيط به أربعة أعمدة ضخمة تحمل القبة المركزية المزينة من الداخل أيضًا بأشكال من الأعمدة ذات التيجان النباتية التي تحمل عقود نصف دائرية.

وفي الناحية الشرقية من البازيليكا يوجد المذبح والخورس ثم الحنية.

وخلف الحنية تقع مقصورة السيدة العذراء ويعلوها قبة مزينة بفسيفساء تصور السيدة العذراء، ويوجد كذلك تمثال لها وهي تحمل السيد المسيح.

أما جدران المقصورة فقد تزينت بالنوافذ ذات الزجاج الملون التي تحمل مشاهد قصص القديسين.

الفسيفساء

يبلغ حجم الفسيفساء التي تزين القبة المركزية من الداخل 475 متر مربع، لتكون بذلك أكبر فسيفساء في فرنسا، وإحدى أكبر قطع الفسيفساء الموجودة في العالم.

تصور الفسيفساء السيد المسيح في المجد وهو يرتدي ملابس بيضاء، ويقف رافعًا ذراعيه إلى الأعلى كاشفًا عن قلبه الذهبي المقدس.

وإلى جانبه يقف القديسون موجهين نظرهم إليه، وعلى يساره نجد تجسيد لفرنسا في صورة سيدة تقدم تاجها للسيد المسيح، وعلى يمينه تصوير للبابا ليون الثالث عشر وهو يقدم له العالم.

كذلك يحمل الجزء السفلي من الفسيفساء نصًا يذكر أن بناء الكنيسة هو إهداء من فرنسا لقلب يسوع المقدس.

ويذكر هذا النص أيضًا أن فرنسا ممتنة ليسوع، وقد ذكر المؤرخون أن كلمة ممتنة تمت إضافتها بعد انتصار فرنسا في الحرب العالمية الأولى.

وكان السبب وراء هذا الامتنان أن الكاثوليكيين اعتبروا هذا النصر مكافأة يسوع لهم على تكريس الكنيسة لقلبه المقدس.

الأورغن

هو آلة موسيقية قديمة تتميز بحجمها الكبير، وتصميمها المعقد إلى حد ما.

تعتمد هذه الآلة في إصدارها للأصوات على سريان الهواء من خلال أنابيب موجودة بها، أما العزف عليها فيتم من خلال لوحة تشبه آلة البيانو.

أما عن الأورغن الموجود بكنيسة القلب المقدس فهو من أكثر الآلات تميزًا في أوروبا بأسرها.

وقد بني عام 1898، وصُنع في البداية لقصر البارون “Albert de l’Espee”، وحصلت عليه الكاتدرائية عام 1919.

وفي عام 1981، اعتبرته الحكومة الفرنسية أثر تاريخي نظرًا لحجمه الهائل وجودة تصنيعه النادرة وصوته الفريد.

برج الجرس

يوجد برج الجرس في الطرف الشمالي للكنيسة، ويوجد بداخله تحفة أثرية أخرى تميز الكاتدرائية وهو جرس الكنيسة “la savoyarde”.

يصل وزن هذا الجرس إلى 19 طن، ويصل قطره إلى 3م، وهو بذلك يكون أكبر جرس ما زال يعمل حتى وقتنا الحالي.

تم رفع الجرس في برج الكنيسة عام 1907، واتخذ مكانه في الجزء السفلي من البرج داخل قفص فولاذي خوفًا من أن يرتطم بجدران البرج ويلحق به الضرر.

الأنشطة التي يمكنك القيام بها عند زيارة الكنيسة

قبل دخول الكنيسة اسمح لنفسك ببعض الوقت للتجول خارجها ومشاهدة العمارة الخارجية لها، والتقاط بعض الصور التذكارية حيث أنه غير مسموح بالتصوير داخل البازيليكا.

زيارة البازيليكا

بعد ذلك تستطيع الدخول إلى داخل البازيليكا لمشاهدة هذا الصرح العظيم من الداخل.

ولكن احرص على جمع المعلومات وامتلاك كتيب عن الكنيسة لأن الجولات المصحوبة بمرشد ممنوعة في الداخل.

الصعود إلى القبة

من أكثر الأنشطة الممتعة في زيارتك للكنيسة هي الصعود إلى القبة.

تستطيع الصعود إلى القبة من يسار المدخل من خلال سلم يتكون من 300 درجة، ربما يكون الصعود شاقًا بعض الشيء ولكن المشهد من القبة يستحق التجربة.

عند وصولك للقبة ترى باريس بأكملها من أعلى نقطة فيها، وترى برج إيفل ونهر السين، إنها حقًا تجربة فريدة.

مواعيد دخول القبة من الساعة 10.30 صباحًا وحتى السابعة مساءً، ولكن قد تتغير تلك المواعيد قليلًا على مدار العام.

وصعود القبة ليس مجانيًا، لذا عليك الحصول على تذكرتك من مكتب الاستقبال بالكنيسة.

دليلك العملي لزيارة كنيسة القلب المقدس في باريس

هل تشعر الآن بالحماس لزيارة الكاتدرائية؟ عليك إذا أن تعرف أهم المعلومات عن كيفية زيارتها.

كيفية الوصول للكنيسة

تقع الكنيسة في حي مونمارتر في الدائرة 18 في باريس، ولحسن الحظ تصل المواصلات العامة إلى أسفل هضبة مونتمارتر.

يمكنك ركوب المترو من المحطة الأقرب لك حيث يوجد أكثر من خط مترو يمر على محطة المترو الموجودة أسفل هضبة مونتمارتر.

وإذا كنت تفضل الانتقال بالأتوبيس فهناك أيضًا محطة توقف للأتوبيس أسفل مونتمارتر.

مواعيد زيارة الكنيسة

تفتح البازيليكا أبوابها للزيارة يوميًا من الساعة 6.30 صباحًا وحتى الساعة 10.30 مساءً.

رسوم الزيارة

دخول البازيليكا مجاني، ولا يوجد حاجة للحجز المسبق قبل الزيارة، ستكون فقط بحاجة إلى تذاكر للصعود إلى القبة.

الخلاصة

كاتدرائية القلب المقدس في حي مونتمارتر شمال باريس تعد واحدة من أروع الآثار الفرنسية.

وهي بناء ضخم استمر بناؤه 40 عامًا، وتكلف ما يقرب من 40 مليون فرنك.

تتمتع الكاتدرائية بأهمية كبيرة حيث تم بنائها على تلة الشهداء.

ومن الناحية المعمارية، تعتبر الكنيسة تحدي لكل المقاييس الهندسية التقليدية بداية من حفر الأرض لوضع الأساسات وانتهاءً بالقبة الضخمة التي تم تعديل تصميمها حتى لا تسبب انهيار القباب الجانبية.

وبالإضافة إلى تلك الأهمية التاريخية والثقافية، فإن مشاهدة باريس من أعلى قبة الكنيسة من أجمل التجارب التي يمكنك خوضها في فرنسا.

لذلك عند زيارتك لعاصمة النور لا تفوت أبدًا زيارة هذا الأثر العظيم، ولا تنس أن تشاركنا بتجربتك في زيارة الكاتدرائية.

الاسئلة الأكثر شيوعاً

ما الذي يميز كنيسة القلب المقدس في باريس؟

  • ارتباط الكنيسة بفترة مهمة من تاريخ فرنسا.
  • يمكنك رؤية باريس بأكملها من فوق قبة الكنيسة.
  • ارتفاعها الشاهق فهي ثاني أعلى بناء في فرنسا بعد برج إيفل.
  • يوجد بها أكبر فسيفاء في فرنسا.
  • جرس كنيسة القلب المقدس يزن 19 طن وهو بذلك أكبر جرس مازال يعمل حتى الآن.
  • آلة الأورغن الموسيقية الموجودة بها هي واحدة هي من أكبر وأشهر آلات الأورغن في أوروبا بأسرها.

 

كيف يمكن الوصول إلى كنيسة القلب المقدس في باريس؟

تقع الكنيسة في حي مونتمارتر شمالي باريس، في الدائرة 18.

ويمكن الوصول إليها بسهولة عن طريق المترو أو الأوتوبيس اللذان يتوقفان في محطة أسفل هضبة مونتمارتر.

هل زيارة كنيسة القلب المقدس مجانية؟

نعم، زيارة البازيليكا مجانية، ولكن الصعود إلى القبة يكون بتذاكر مدفوعة.

مقالات ذات صلة
أضف تعليق: